السؤال.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. خير ما أبدأ به الصلاة والسلام على رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم)
سؤالي: ما هو الحكم الشرعي في أن أستخدم (الدردشة) بهدف دعوة الناس للدين الإسلامي ونصحهم وإرشادهم للخير، سواءً كانوا ذكوراً أو إناثاً، مع العلم بأنني واثقة من نفسي.
ومتأكدة من أنني سأحافظ على قيمي وأخلاقي ولن أنجرف إلى الهاوية، وهدفي سيكون نشر الدعوة إن شاء الله.
جزاكم الله كل خير.
الإجابــة.. بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ بنت السلام حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فهذا سؤالٌ كريم، سؤالٌ من فتاة الإسلام.. نعم إنه سؤال يدل على أن صاحبته بحمد الله عز وجل والتي هي زهرة من زهور الإسلام في ريعان شبابها قد فتحت عينيها على حب الله وحب رسوله -صلوات الله وسلامه عليه- بل وحب نشر دينه، فأنت تجدين في نفسك الرغبة العظيمة والنية القوية الصالحة لنشر هذا الدين العظيم.
فلم تكتفي بأن تتبعي هذا الدين القويم وأن تتمسكي به؛ بل أردت أن توصلي الخير إلى الناس، وأن تدعي الخلق إلى طاعة الرحمن لتكوني ممن قال الله تعالى فيهم: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}.
وأيضًا في أن تكوني ممن قال فيهم - صلوات الله وسلامه عليه -: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا) أخرجه مسلم في صحيحه. وأيضًا فقد قال - صلوات الله وسلامه عليه -: (من دل على خير فله أجر مثل أجر فاعله) أخرجه البخاري في صحيحه.
وأخرج مسلم في صحيحه أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء).
فهذه نيةٌ صالحة من فتاة الإسلام، من بناتنا اللاتي نود أن يحرصن على هذه المعاني العظيمة، وأن يكنَّ داعيات إلى الله جل وعلا.
وأن يكنَّ قدوة صالحة منذ نعومة أظافرهنَّ، وقد شرحت صدرنا بهذا السؤال الكريم الذي يدل على حرصك وعلى عزيمتك القوية في نشر دين الله عز وجل والذَّب عنه.
وإرشاد الناس إلى طريق الخير وطريق الرشاد، ونسأل الله لك المثوبة والأجر العظيم، وأن يجعلك من أئمة الهدى؛ فإن هذه النية الصالحة تدل على الهمة العالية؛ ولذلك قال - صلوات الله وسلامه عليه-: (إن الله يحب معالي الأمور ويكره سفسافها) أي يكره المحقرات منها. والحديث رواه الطبراني في المعجم.
وأما عن سؤالك الكريم، فإن هذا الأمر يتضح لك بمقدمة، ألا وهي: أن الله جل وعلا قد شرع لعباده الخيرات وحثهم ليس فقط على تحصيلها بل حث على استباقها، قال جل وعلا: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} وقال تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} فالخيرات يُستبق إليها، ولكن لابد في جميع الأحوال من اتباع السبيل المشروع لتحصيلها؛ فمثلاً لو فرض أن رجلاً أراد أن يدعو الناس إلى الله جل وعلا فدعا من تيسر له، ودخل في دعوة النساء حتى صار يحادثهنَّ ويكلمهنَّ ويتبادل معهنَّ الأحاديث.
ثم بعد ذلك نظر فإذا به يجد نفسه قد دخل في أمر يتعلق بأمر المحادثة مع النساء الأجنبيات فلربما قاده ذلك إلى العلاقات المحرمة كما لا يخفى على نظرك الكريم.
وهاهي الشواهد قائمة والأسئلة الواردة والوقائع التي لا تحصى، والتي يكون مبدؤها بكلام في الدين والأخلاق والدعوة إلى الله، ثم تنقلب إلى علاقة حميمة حتى يصير حبًّا مستحكمًا وعشقًا مذمومًا، فخرجا بذلك من طاعة الرحمن إلى معصيته..
وهذه هي خطوات الشيطان التي قال تعالى فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فثبت بهذا أن السبيل إلى تحصيل الخيرات لابد أن يكون سبيلاً مشروعًا، وأفضل السبل في ذلك هو التوقي والتحرز وتحصيل المصلحة، فبهذا ينتظم لك خيران اثنان: خير الحفاظ على نفسك وخير تحصيل الدعوة إلى الله وفضيلة ذلك عنده وأجره الذي ادخره للداعين إلى رضوانه.
وهذا لا يتم لك إلا بأن تجعلي دعوتك محصورة في المجال النسائي، في مجال أخواتك المؤمنات؛ بحيث تكونين لفتياتك اللاتي في سنك أختًا ناصحة.
وتكونين للنساء الكبيرات بنتًا بارة فتقدمين الخير للجميع للكبير والصغير، وبهذا يحصل لك الأمان من جهتين: من جهة الحفاظ على نفسك وعدم تمكينها من أسباب الشر، ومن جهة رعاية حدود
الله جل وعلا والبعد عن المخاطر المحتملة في هذا.
فإن قلت: فأنا أضمن نفسي ولا يمكن أن أتعرض إلى مثل هذه العلاقات المحرمة؟ فالجواب: أن المؤمن إنما يُعامل الفتن والمحرمات بطريق التوقي ولا يعاملها بطريق أن يقدم على أسبابها ويقول أنا ضامن نفسي.
فالمؤمن يتوقى أسباب الحرام بألا يحوم حول الحمى، أي لا يقترب من الأسباب التي قد تؤدي إلى الحرام؛ فكيف بالحرام نفسه؟ وهذا المعنى قد بينه - صلوات الله وسلامه عليه – بقوله: (إن الحلال بَيِّن وإن الحرام بَيِّن.
وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.
ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) متفق على صحته.
فبين - صلوات الله وسلامه عليه – أن الحفاظ على حمى الله جل وعلا يؤدي إلى البعد عن محارمه، وهذا هو المطلوب في حقك بأن تبتعدي عن أي شبهة تقربك إلى الحرام؛ لأن الإنسان لا يضمن نفسه، ولأن القلب متقلبًا ولذلك سمي القلب قلبًا أي لكثرة تقلبه.
ولذلك كان أكثر دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو رسول الله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) رواه الترمذي في سننه.. وكان من دعائه العظيم - صلوات الله وسلامه عليه: (يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك) أخرجه مسلم في صحيحه.. لاسيما وأن مجال النساء مجال رحيب وواسع.
وفيه السبيل العظيم للدعوة إلى الله، بل هو أشد افتقارًا إلى الداعيات الناصحات من المجال الذي فيه الرجال والذكور، فإن الدعاة من الرجال كثر بحمد الله عز وجل، مع الحاجة الماسة أيضًا إلى ذلك، ولكن المجال النسائي هو أشد حاجة إلى هذا المعنى مع رعاية حدود الله جل وعلا التي أشرنا إليها.
وهي عدم إقامة أي علاقة أو محادثة مع أي رجل ولو كان ذلك باسم الدعوة أو باسم الأخوة في الله أو باسم دلالة الناس على الخير.. فاعرفي هذا واحرصي عليه.
فإن الخير لا يُنال إلا بما شرع الله ولا ينال إلا بالاحتياط والبعد عن محارم الله، فها هو المجال النسائي أمامك مفتوحًا رحبًا واسعًا يدعوك لتكوني داعية إلى الله جل وعلا وتكوني لَبِنَة من اللبنات التي يؤسس عليها الخير والرشاد ويقام عليها هذا الدين العظيم.
ونود أن تحرصي على الاطلاع على الكتب النافعة التي تجعلك داعية إلى الله جل وعلا حتى تدعي إلى الله على بصيرة؛ قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
وقد أشرنا في بعض الأجوبة التي تحض على هذا المعنى فارجعي إليها فإن فيها نفعًا لك بإذن الله، والله يتولاك برحمته ويرعاك بكرمه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يجعلك ممن قال فيهم جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِين}.
وبالله التوفيق.
الكاتب: أ/ الهنداوي
المصدر: موقع إسلام ويب